مدير إدارة البيئة بالجامعة العربية لـ"جسور بوست": "كوب 28" شديد الأهمية والكوكب سيصبح مكاناً صعباً للعيش

طالب بوضع معايير واضحة لتحديد الدول المستحقة للتمويل ووفاء الدول المتقدمة بالتزاماتها

مدير إدارة البيئة بالجامعة العربية لـ"جسور بوست": "كوب 28" شديد الأهمية والكوكب سيصبح مكاناً صعباً للعيش
الدكتور محمود فتح الله

أهداف "كوب 28" شديدة الأهمية في تحويل التعهدات تجاه الدول النامية إلى تنفيذ وستشهد أول حصر عالمي للنتائج

-جهود الإمارات في مجال المناخ والبيئة بشكل عام ظاهرة للعيان ولا يمكن إنكارها

-دول المنطقة تبذل جهوداً كبيرة في الطاقة المتجددة لكن التخلص من الطاقة التقليدية كليّاً بعيد المنال 

-الدورات السابقة ركزت على تخفيض الانبعاثات ولم تنتبه لأهمية التكيف بالنسبة للدول النامية كدول متأثرة بالانبعاثات

-أبرز الملفات المنتظر طرحها في "كوب 28": تقديم التمويل للدول النامية والعدالة المناخية والاتفاق على إطار للتكيف بطريقة شاملة وعادلة

-هناك مطالبات كثيرة للدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها بسداد 100 مليار دولار سنويّاً لتمويل العمل المناخي

-هناك تلكؤ لا يمكن إنكاره في عدد كبير من الدول المتقدمة في تنفيذ تعهداتها في الدورات السابقة

-مساهمة الدول العربية والإفريقية في تغير المناخ محدودة جدّاً ومع ذلك تلتزم بتخفيض الانبعاثات وملزمة بالوفاء بالتعهدات الفنية لكنها تعاني من مشكلات في الحصول على التمويل

-التقارير الدولية تذكُر أن العالم في طريقه لتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية في حرارة الأرض وهذا سيجعل الكوكب مكاناً صعباً للعيش الطبيعي

-الدول المتقدمة المسؤولة عن المشكلة تحاول التملص من تمويل صندوق "الخسائر والأضرار"

-يجب وضع معايير واضحة لتحديد الدول المستحقة للتمويل.. وتصنيف الصين والهند دولتين ناميتين قوة لكتلة الدول النامية

حاوره: سامي جولال 

تستعد دولة الإمارات العربية المتحدة لاستضافة الدورة الـ28 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 28"، في إمارة دبي، ما بين 30 نوفمبر و12 ديسمبر 2023، في وقت تنتظر فيه مجموعة من الملفات الملحة الحسم، من بينها تمويل صندوق "الخسائر والأضرار"، وتحقيق العدالة المناخية واعتراف الدول، التي تسببت في قضايا المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض بمسؤوليتها وتحملها، والاتفاق على إطار للهدف العالمي للتكيف مع ارتفاع درجات الحرارة بطريقة شاملة وعادلة، والانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة بشكل عادل، دون تضرر فئات أو قطاعات من هذا التحول، وغيرها من الملفات المهمة الأخرى، بينما تكشف التقارير الدولية في هذا المجال أن العالم يتجه نحو تخطي عتبة الـ1.5 درجة مئوية في حرارة الأرض، ما يهدد بتحول الكوكب إلى مكان صعب للعيش الطبيعي للبشر، ومكان لأمراض غير معهودة ومشكلات صحية كبيرة، وتأثر الأمن المائي والغذائي بشدة. 

"جسور بوست" حاورت مدير إدارة شؤون البيئة والأرصاد الجوية في جامعة الدول العربية، رئيس الأمانة الفنية لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن البيئة في الجامعة، الدكتور محمود فتح الله، حول أهمية أهداف مؤتمر "كوب 28"، التي أعلنها رئيسه، الدكتور سلطان الجابر، وأبرز الملفات والقضايا العالقة، التي لم تستطع الدورات السابقة الحسم فيها ويُنتظر أن تُطرح على طاولة "كوب 28"، لاتخاذ قرارات بشأنها، والجهود التي تبذلها الإمارات في مجال المناخ، وتقييم تنفيذ تعهدات الدورات السابقة والقرارات التي تم اتخاذها خلالها.

وخلال الحوار تحدث عن مدى التزام الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بما فيها الدول العربية والإفريقية، بتنفيذ تعهداتها، والقيام بما يلزم لتحقيق هدف عدم ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاقية باريس، وتحديداً دول مجموعة العشرين، التي تمثل 80% من الانبعاثات العالمية، وأيضاً الخلافات القائمة بين الدول حول تمويل صندوق "الخسائر والأضرار".

وإلى نص الحوار:

في وقت سابق، قال رئيس "كوب 28"، الدكتور سلطان الجابر، متحدثاً عن أهداف النسخة المقبلة من المؤتمر، إن "توفير صندوق نشط يعمل بكامل طاقته، لتعويض الدول الفقيرة المتضررة من تغير المناخ، أحد الأهداف الرئيسية للمؤتمر"، كما دعا إلى "تحديد أهداف لمضاعفة مصادر الطاقة المتجددة 3 مرات، ومضاعفة إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030".

وقال إن "التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري حتمي وضروري"، وإنه يجب على الشركات "القضاء على كل الانبعاثات، بما في ذلك النطاقات 1 و2 و3، التي تغطي الانبعاثات، التي تنتجها الشركات بشكل مباشر، وكذلك تلك التي ينتجها عملاؤها، الذين يستخدمون منتجاتها"، وإن قمة "كوب 28" يجب أن "تحدد هدفاً عالميّاً في ما يخص التكيف مع ارتفاع درجات الحرارة، وإنه يجب على الدول الغنية الوفاء بالتزاماتها الخاصة بتوفير تمويل سنوي للمناخ قيمته 100 مليار دولار".

-ما أهمية هذه الأهداف التي أعلنها رئيس "كوب 28"، الدكتور سلطان الجابر، في مكافحة أزمة التغيرات المناخية، وكيف ستسهم في حماية الكوكب من التداعيات السلبية للتغير المناخي؟

هذه الأهداف شديدة الأهمية بالنسبة للعالم، باعتبار أن العالم يعاني منذ بداية الثورة الصناعية من ارتفاع في درجات حرارة الأرض بشكل كبير، والدورات السابقة من اتفاقيات المناخ شهدت العديد من التعهدات بالعمل على خفض درجة حرارة الأرض، والحفاظ على درجة حرارة أرض لا تزيد على 1.5 درجة مئوية، وهناك العديد من الالتزامات التفصيلية المتعلقة بالتمويل، وبالإجراءات التي تقوم بها الدول المتقدمة، وأهمية هذه الدورة أن "كوب 27" في العام الماضي شهد تحولاً تجاه التجاوب مع مطالب الدول النامية، في ما يتعلق بالتمويل، وبالخسائر والأضرار، وغيرها، وبالتالي فإن هذه الدورة لها أهمية كبيرة في تحويل هذه التعهدات إلى تنفيذ، باعتبار أن هذه الدورة سوف تشهد أول حصر عالمي لنتائج التنفيذ The global stocktake، وهذا الحصر العالمي معني بمتابعة تنفيذ كل الأهداف، وأين نحن الآن، وأين العالم في هذا الوقت في ما يخص كل التعهدات التي تعهدت بها جميع دول العالم. 

اتفاقية باريس نصت على أنه من المفروض أن يكون أول هذا الحصر في هذه الدورة، التي سوف تشهد إطلاع العالم على ما تم التوصل إليه بالفعل من الجهود المجمعة لدول العالم في حل هذه القضية، وبالتالي عندما أشار الدكتور سلطان الجابر إلى موضوع الانتقال من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة، فهو يعني أحد أهم العناصر المبنية عليها الاتفاقية، وهو فكرة التخلص التدريجي من الطاقة التقليدية والتحول إلى الطاقة المتجددة، لأنها هي السبب الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وبالتالي تفاقم المشكلة التي نحن بصددها. 

طبعاً إلى حد كبير دول المنطقة تبذل جهوداً كبيرة في مجال الطاقة المتجددة، ولكن لا بد أن نكون على يقين بأن التخلص من الطاقة التقليدية بشكل كامل، هو أمر بعيد المنال، والمهم هو السيطرة على الانبعاثات، سواء كان مصدرها هو الطاقة التقليدية، أو مصادر أخرى بخلاف الطاقة، وبالتالي الانبعاثات في حد ذاتها هي الأساس، وليس الطاقة التقليدية، التي تمثل أحد أهم مصادر الانبعاثات، لكنها لا تمثل كل المصادر.

-إلى جانب خطة خفض الانبعاثات، ما أبرز الملفات والقضايا العالقةالتي لم تستطع الدورات السابقة الحسم فيها، ويُعوَّل أن تطرح على طاولة "كوب 28"، لاتخاذ قرارات بشأنها؟

في الدورات السابقة، وحتى الدورة الـ26، كان التركيز فيها على التخفيض، ولم يكن هناك انتباه لأهمية موضوع التكيف بالنسبة للدول النامية، كدول متأثرة بشكل كبير بالانبعاثات، في الوقت الذي تعد فيه مساهمتها في هذه الانبعاثات مساهمة محدودة، وتعاني معاناة كبيرة، وبالتالي الموضوعات التي كانت معلقة من الدورات السابقة وحتى وقتنا هذا لا يزال هناك تطلع لإيجاد حلول لها، أهمها موضوع التمويل، لأن الدول النامية بحاجة إلى تمويل مشروعات ضخمة جدّاً للتكيف والتخفيف في الدول النامية، وفرصتها في الحصول على هذه التمويلات محدودة، وبالتالي لا تزال مشكلات التمويل والعوائق التي تقابل حصول الدول النامية على التمويل مشكلة كبيرة،ولعل الجميع يعلم أن هناك مطالبات كبيرة وكثيرة للدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بسداد الـ100 مليار دولار سنويّاً، لتمويل العمل المناخي، ولكن المشكلة أن هذه الالتزامات حتى وقتنا هذا لم يتم الوفاء بها، ليس فقط على مستوى حجم التمويلات، وإنما أيضاً على مستوى توجيه هذه التمويلات، إذ إن معظم التمويلات توجه إلى مشروعات التخفيف، لأن لها عائداً اقتصاديّاً مباشراً على الجهات التمويلية، بينما مشروعات التكيف عائدها الاقتصادي لا يكون مباشراً، ولا يكون في الأجل القصير، وإنما لها عائد اجتماعي كبير، ولكن بعد مدة طويلة، فمشكلة التمويل هي مشكلة كبيرة جدّاً، سواء في حجم التمويل، أو في توجيهات هذا التمويل وتخصيصاته بالنسبة للمشروعات المختلفة.. هذه قضية.

القضية الأخرى، التي تحتاج أيضاً إلى طرح قوي في هذه الدورة هي قضية العدالة المناخية، وهي قضية متعلقة في جزء منها بالتمويل، ولكنها متعلقة في أجزاء أخرى بموضوعات مختلفة، والعدالة المناخية هي اعتراف الدول، التي تسببت في قضايا المناخ، وتسببت في ارتفاع درجة حرارة الأرض، بمسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية، وأن تتحمل الدور الذي يقابل هذا التعامل مع هذه القضية.. وبالمناسبة هي ليست فقط مسؤولية أدبية وأخلاقية بقدر ما هي أيضاً مسؤولية اقتصادية، لأنه بالمفهوم الاقتصادي معايير الكفاءة الاقتصادية تقتضي أن تتحمل الدول المتسببة في العبء جزءاً من إصلاحه.. هذه أيضاً قضية من القضايا الأخرى المطروحة. 

أيضاً موضوع الهدف العالمي الخاص بالتكيف هو أحد الموضوعات المهمة جدّاً والمثارة، بمعنى أنه لا بد من الاتفاق على إطار للهدف العالمي للتكيف، بطريقة تحتفظ بالشمول والعدالة، ويكون فيها نوع من المسؤولية المشتركة للدول، التي تسببت في القضية.

هناك العديد من الموضوعات الأخرى، مثلاً قضية الانتقال العادل، وربما هي من القضايا التي أعلنت دولة الإمارات تبنيها، باعتبارها قضية تمس مصالح الكثير من دول العالم.. والانتقال العادل يعني أنه لا بد أن يكون هناك برنامج عمل يضمن أن يكون انتقال دول العالم من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة عادلاً، بمعنى أن يراعي الفئات التي تعمل في هذه القطاعات، ويراعي أيضاً التشابكات القطاعية، والآثار الاقتصادية، التي يمكن أن تترتب عن هذا التحول، بحيث لا تتضرر قطاعات معينة من عملية التحول، وأن يشمل جميع الفئات الاجتماعية، وألّا تتضرر إحدى هذه الفئات، مثلاً المرأة، والأطفال، والفئات الضعيفة، كثير من هذه القضايا مطروحة، وربما هذا ما أذكره الآن، لكن قد تحضرني فيما بعد مع الحوار بعض القضايا الأخرى، التي من المهم مناقشتها.

-كيف تنظرون إلى الجهود التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال المناخ؟

جهود دولة الإمارات في مجال المناخ، وفي مجال البيئة بشكل عام، هي جهود ظاهرة للعيان، ولا يمكن إنكارها، الحقيقة أن دولة الإمارات منذ فترة طويلة من الدول الناشطة في مجال العمل المناخي والعمل البيئي، وهناك استثمارات ضخمة جدّاً في مجال الطاقة المتجددة في دولة الإمارات، وهي تحتضن مقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، ولديها مبادرات كثيرة في هذا الإطار. 

أيضاً أعتقد أنه بحكم كوني مديراً لإدارة شؤون البيئة في جامعة الدول العربية، ومسؤولاً عن الأمانة الفنية لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، لا بد أن أشيد بالدور الذي تقوم به دولة الإمارات العربية المتحدة في مجال العمل البيئي، ومبادراتها في المنطقة، والعام الماضي أطلقت دولة الإمارات مبادرة تحالف القرم من أجل المناخ، وهذه المبادرة تهدف إلى انضمام عدد كبير من الدول لزراعة النباتات، في ما يتعلق بالحلول المعتمدة على الطبيعة، وهي أحد الحلول التي ينظر لها العالم الآن كمخرج من الأزمة الخاصة بالمناخ، وهي حلول لا تكون لها آثار سلبية على قضايا أخرى في المنطقة، وليست مكلفة كذلك، ودولة الإمارات تبنت قضية الحلول المعتمدة على الطبيعة.

وأيضاً في جامعة الدول العربية في هذا العام فازت إمارة أبوظبي بلقب عاصمة البيئة العربية لهذا العام، لتوافقها مع عدد كبير من المعايير البيئية والمناخية، وهذا يجعلني أشيد بجهودها في هذا الموضوع.. وعندما فازت مدينة أبوظبي بلقب عاصمة البيئة العربية لهذا العام، كانت في منافسة مع أكثر من 15 مدينة عربية أخرى، تنافست بمعايير بيئية ومناخية، وحجم العمل المناخي المبذول، والالتزام البيئي، وهذا يعتبر أحد الشواهد على التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بالعمل البيئي والمناخي بشكل عام.

-وما تقييمكم لتنفيذ دولة الإمارات تعهداتها في الدورات السابقة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وللقرارات التي تم اتخاذها خلالها؟

دولة الإمارات من الدول التي تلتزم بشكل كبير بتعهداتها البيئية، وتلتزم أيضاً بالقيام بدور إيجابي في العمل المناخي، وفي ما يتعلق بالدورات السابقة من اتفاقيات المناخ فهناك وفاء بالالتزامات المتعلقة بالتخفيض، والالتزامات المتعلقة بالعمل المناخي، ولا يوجد لدى دولة الإمارات العربية المتحدة أي نوع من التكاسل أو التأجيل لهذه الالتزامات، اتفاقية باريس تضع التزامات على الدول العربية تتعلق بإعداد التقارير الدولية، والمعايير الخاصة بالشفافية، والمعايير الخاصة بمتابعة تنفيذ القرارات، وهذه الإجراءات بشكل كبير لا يوجد فيها أي نوع من التأجيل بالنسبة لدولة الإمارات.

طبعاً هناك مساهمات طوعية تقوم بها بعض دول العالم، سواء في التمويل، أو في العمل المناخي، وطبعاً دولة الإمارات لديها مبادرات طوعية كثيرة في هذا الموضوع.. دولة الإمارات قدمت مبادرة أثناء أسبوع المناخ في إفريقيا، وكانت تدعم العمل المناخي في الدول الإفريقية بمبلغ كبير لا أذكره حاليّاً، ولكن كان هناك دعم كبير للعمل المناخي في دول إفريقيا، وعلى مستوى التمويل، وبالتالي فهذا الأمر محل تقدير بشكل كبير، والمبادرة التي أتحدث عنها كان قد أعلنها معالي الدكتور سلطان الجابر عندما كان في كينيا، وأطلق الدعم بمبلغ ضخم أعتقد أن قيمته 4 مليارات أو شيء من هذا القبيل، ففعلاً هذه المساهمات مقدَّرة. 

-ما تقييمكم لتنفيذ الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تعهداتها في الدورات السابقة وللقرارات التي تم اتخاذها خلالها؟ وهل هناك التزام جدي بتنفيذها أم أن هناك تلكؤاً في العمل بها؟

التلكؤ لا يمكن إنكاره في عدد كبير من الدول المتقدمة، لأننا لو تحدثنا عن طبيعة الالتزامات، فيمكن تقسيمها إلى التزامات مالية تتعلق بالتمويل، والتزامات فنية تتعلق بتخفيض الانبعاثات والمساهمات في العمل المناخي، وإذا تحدثنا عن الجزء الخاص بالتمويل فمعلوم أن معظم الدول المتقدمة لم تفِ بتعهداتها بالأساس في الاتفاقية، ولا يزال الجزء الذي تقوم بسداده نسبة ضئيلة جدّاً من تعهداتها.

وإذا تحدثنا عن الالتزامات المتعلقة بخفض الانبعاثات وبمصادر الطاقة، فسوف نجد أن الدول المتقدمة لا تسير على نهج واحد، وإنما فعلاً هناك تلكؤ وتلاعب في طريقة الالتزام، بمعنى أن كثيراً من دول العالم التزمت سابقاً بتخفيض الاعتماد على الفحم، وأيضاً تخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري، ولكن جميعنا نعلم أن الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الطاقة، التي واجهت العديد من دول العالم، جعلت دول العالم المتقدمة لا تلتزم بتعهداتها تجاه تقليل استخدام الفحم، ولجأت مرة أخرى إلى استخدام الفحم الحجري وغيره، وكل هذه الأمور هي تراجع عن الالتزامات، التي كانت دول العالم قد التزمت بها، إذاً هناك تراجع في الالتزام بمحتوى الاتفاقية، وتراجع أيضاً في الالتزام بالشق المالي والمساهمات المالية.

-وماذا عن الدول العربية والإفريقية في ما يخص تنفيذ التعهدات الخاصة بالدورات السابقة، والقرارات التي تم اتخاذها خلالها؟ 

الدول العربية والإفريقية تقع في إطار الدول النامية، وهي الجانب الذي يحتاج إلى دعم في الاتفاقية، لأن الاتفاقية ميزت ما بين دول المُرفق أ ودول المرفق ب، دول المرفق أ هي الدول المتقدمة، المطلوب منها تقديم تمويل، وأيضاً القيام بتخفيض الانبعاثات بشكل مباشر، وتقديم دعم فني وتكنولوجي للدول النامية، والدول العربية والإفريقية هي دول بالأساس مساهمتها في قضايا تغير المناخ من ناحية الأسباب مساهمة محدودة جدّاً، ولا يمكن مقارنتها بالدول المتقدمة، ومع ذلك هي ملتزمة بالوفاء بالاتفاقية، بمعنى التخفيض الطوعي للانبعاثات، وملتزمة أيضاً بالوفاء بالتعهدات الفنية المتعلقة بالتقارير الدورية وغيرها، لكن هذه الدول تعاني من مشكلات في أكثر من جانب، في حصولها على التمويل كما سبق أن قلت، وأيضاً لدى هذه الدول حاجة كبيرة إلى بناء قدرات ونقل تكنولوجيا، لأنه حتى تقوم هذه الدول العربية والإفريقية بالالتزام باتفاقية باريس من ناحية بعض الإجراءات المطلوبة، فهي بحاجة إلى دعم فني، وأيضاً بحاجة إلى نقل تكنولوجيا، يعني عندما يكون هناك مثلاً التزام بتخفيض الانبعاثات بشكل محدد فالتكنولوجيا التي يمكن أن تساعد على تخفيض الانبعاثات هي تكنولوجيا غربية بشكل كبير، وليس بمقدور الدول العربية والإفريقية الحصول عليها بدون تسهيلات وبدون دعم من الدول المتقدمة، التي تفرض بموجب قوانين حماية الملكية الفكرية القيود على هذه التكنولوجيا، فتكون إمكانية حصول الدول العربية والإفريقية عليها متواضعة جدّاً، وبالتالي تحد من قدرتها على الوفاء بالالتزامات. 

أيضاً موضوع الخسائر والأضرار الذي كان قد طرح في الدورة السابقة في "كوب 27"، كثيرٌ من الدول العربية والدول الإفريقية تتعرض لخسائر كبيرة وأضرار نتيجة تغير المناخ، ولا تستطيع الحصول على تعويضات في هذا الإطار، و على سبيل المثال الفيضانات التي اجتاحت مدينة درنة في ليبيا، وأيضاً كثير من المدن العربية التي كانت فيها أعاصير، وفيها ارتفاع لمياه البحر، وإغراق لكثير من الممتلكات، وأيضاً خسائر في الأرواح، ولم تتمكن هذه الدول من الحصول على تعويضات مناسبة، بسبب أن المفاوضات لا تزال جارية حول صندوق الخسائر والأضرار، ولم تصل إلى إقرار لآليات واضحة يمكن أن تستخدم في هذه الإشكالية.

-هل تقوم الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وخاصة دول مجموعة العشرين، التي تمثل 80% من الانبعاثات العالمية، بما يلزم لتحقيق هدف عدم ارتفاع درجة الحرارة أكثر من 1.5 درجة مئوية" كما هو منصوص عليه في "اتفاقية باريس"؟

هناك جهود تبذل للحفاظ على درجة حرارة الأرض في حدود الـ1.5 درجة مئوية أعلى من متوسط فترة ما قبل الصناعة، لكن الجهود التي تبذلها دول مجموعة العشرين بقدر ما هي جهود معقولة، لكن كان هناك طموح من دول العالم لأن تكون الجهود أكثر من ذلك، وجهود مجموعة العشرين في مجال تخفيض الانبعاثات هي جهود كبيرة، ولكنها تحتاج أيضاً إلى جهود أكثر من ذلك، ليتم الوصول إلى تحقيق الهدف.

التقارير الدولية في هذا المجال، وتقرير الـ (IPCC) اللجنة الدولية الحكومية الخاصة بالمناخ، كلها تذكر أن دول العالم حاليّاً في طريقها لتجاوز عتبة الـ1.5 درجة بالزيادة، وهذا طبعاً شيء خطير بالنسبة لدول العالم وبالنسبة لمشكلة المناخ، لأن زيادة درجات الحرارة على الـ1.5 سوف تجعل من الكرة الأرضية مكاناً صعباً للعيش الطبيعي للبشر، وبالتالي تجاوز هذا القدر سوف يجعل الكرة الأرضية مكاناً لأمراض لم نعهدها ومشكلات صحية كبيرة، وسوف تؤثر أيضاً على الأمن المائي والغذائي، الذي سيتأثر بشدة في حالة ارتفاع درجات الحرارة فوق هذا المستوى، وسنصبح غير قادرين على توفير غذاء للبشر مع هذه الدرجات من الحرارة. 

فدول مجموعة العشرين تبذل جهوداً، ولكن الأوضاع العالمية الحالية تنذر بأنه لن نتمكن من تحقيق الهدف العالمي للتخفيف حسب اتفاقية باريس، إلا بجهود مضاعفة خلال الفترة القادمة. 

-هل الدول المتقدمة الغنية الصناعية، التي تسببت في الجزء الأكبر من تغير المناخ، بسبب انبعاثاتها على مدار التاريخ، هي التي يجب أن تمول صندوق "الخسائر والأضرار" الذي تم الاتفاق عليه في "كوب 27" لتتحمل بذلك مسؤوليتها أمام الوضع الحالي؟

بالتأكيد هذا هو الوضع المنطقي الذي تتطلع له دول العالم، لكن الحوار حاليّاً ما بين الدول المتقدمة يحاول إزاحة المسؤولية، أو إشراك جهات أخرى ضمن المسؤولية. 

عندما تمت الموافقة على إنشاء صندوق للخسائر والأضرار في العام الماضي، لم يكن هناك توافق على الآليات ومن سيقوم بالتمويل، ولكن المفاوضات اللاحقة أسفرت عن قدر كبير من التباين في المواقف، وأن الدول المتقدمة المسؤولة عن المشكلة بدأت تحاول التملص من الموضوع، وتحاول إشراك دول أخرى بحكم القدرة المالية لهذه الدول الأخرى على التمويل، وبعض جلسات المفاوضات شهدت زجّاً بدول منها مثلاً دول الخليج العربية، بحكم قدرتها المالية، لتكون طرفاً في تمويل هذا الصندوق.

أيضاً هناك خلاف كبير حول وصف الصين باعتبارها دولة نامية، وأصبح ينظر إليها الآن على أنها دولة صناعية، وبالتالي الوصف الدولي لها بأنها نامية قد يجعلها من المستفيدين من الصندوق، وليس من الممولين له، في حين أن وضعها الاقتصادي الحالي مختلف كثيراً عن هذا (أي تصنيفها دولة نامية).

فهناك كثير من اللغط حول هذه القضايا، من الدول التي تستحق التمويل ومؤهلة للحصول عليه من هذا الصندوق، ومن الدول القادرة على أن تكون ضمن مصادر تمويل الصندوق، وبالتالي هي قضية متعلقة بقضية العدالة المناخية، التي سبق أن أشرت إليها، وتقتضي بأن تكون الدول الممولة للصندوق هي تلك التي أسهمت بنسبة أكبر في تفاقم أزمة المناخ، وطبعاً هناك مؤشرات يمكن استخدامها لقياس ما هي هذه الدول، بمعنى أن لدينا مؤشرات عن نسبة الانبعاثات في الدول الصناعية ومساهمتها، ويمكن أن يعتمد التمويل على هذه النسبة، ونسب الانبعاثات الموجودة عند الدول الصناعية المتقدمة أكبر بكثير من الموجودة عند الدول الأشد تضرراً في إفريقيا وفي المنطقة العربية وفي بعض دول آسيا، وبالتالي هذا الأمر محل جدل، ونأمل أن تصل المفاوضات في هذا الموضوع في الدورة القادمة في "كوب 28" إلى حل ملائم للدول النامية، ونستطيع إيجاد آلية واضحة للتمويل.

ما الدول الأحق بالاستفادة من أموال هذا الصندوق؟ هل جميع الدول المصنفة أنها نامية؟ أم فقط الدول الأكثر عرضة لآثار التغيرات المناخية؟

ما أثرتَه هو جزء من الإشكالية، لأنه عند الحديث عن "ما هي الدول الأحق بالحصول على تمويلات من هذا الصندوق" نكون هنا بحاجة إلى تحديد معايير واضحة لتحديد الدول المستحقة للتمويل، وقد يكون من بين هذه المعايير حجم الضرر الواقع على الدولة، وقد يكون منها أيضاً نسبة الانبعاثات، التي تطلقها الدولة، لكن إذا كانت دولة تطلق نسب انبعاثات، أو تسهم في درجة حرارة الأرض بشكل كبير، فعندما يصيبها قدر من الضرر، قد يكون وضعها في هذه الحالة حياديّاً بالنسبة للصندوق، لأنها أسهمت في تفاقم الأزمة، وتعرضت لجزء من الأضرار، لكن الوضع يكون مختلفاً تماماً عند الحديث عن دول تحديداً في إفريقيا، وهي دول نسبتها من الانبعاثات في مجملها متواضعة جدّاً، 3 أو 5% من إجمالي الانبعاثات، وعندما تكون هذه المنطقة تعاني من الخسائر الناتجة عن تغير المناخ بشكل كبير، فهي بذلك تكون أحق في الحصول على التمويل من الدول الأخرى. 

طبعاً لا ننسى الإشكالية، التي تتم إثارتها حاليّاً حول هل الصين دولة صناعية أم دولة نامية، وهذه الصراعات هي بين الدول المتقدمة والصين، التي تصنف حتى وقتنا هذا دولة نامية.. نحن كدول نامية وكدول في المنطقة، مازال تصنيف الصين كدولة نامية في صالح المنطقة، باعتبار أن الصين لديها قوة تفاوضية كبيرة في الاتفاقية، وبالتالي خروجها من تصنيف دولة نامية إلى تصنيف دولة متقدمة يفقدنا زخماً، أو يفقدنا قوة كبيرة كدول نامية، فهي تقف إلى جانبنا في بعض القضايا، أو تتبنى بحكم كونها مصنفة حاليّاً دولة نامية بعض القضايا التي تساعدنا في المنطقة، كنوع من الدعم السياسي في المواقف التفاوضية للمنطقة، فالصين والهند باعتبارهما دولتين ناميتين تشكلان قوة للكتلة الخاصة بالدول النامية في هذا الشأن.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية